إعلان 13

إعلان 13

الجمعة، 8 يوليو 2016

المعتصم وابن خاقان

عاد الخليفة المعتصمُ الوزيرَ خاقانَ عند مرضه، وكان لخاقان ابن اسمه الفتح، فقال له المعتصم: داري أحسن أم دار أبيك؟ فقال: ما دام أمير المؤمنين في دار أبي فهي أحسن.

عبد الملك والرجل

تكلم رجل عند عبد الملك بكلام ذهب فيه كل مذهب، فقال له وقد أعجبه: ابن من أنت يا غلام؟ فقال: ابن نفسي يا أمير المؤمنين، التي نلت بها هذا المقعد منك. قال: صدقت.  وعجب من حدة ذهنه.

السلطان والرجل المذنب

دخل مذنب على سلطان، فقال له: بأي وجه تلقاني؟! فقال: بالوجه الذي ألقى به ربي وذنوبي إليه أعظم وعقابه أكبر. فعفا عنه.

موعظة حكيم

قال بعض الحكماء: مسكين ابن آدم! لو خاف من النار كما يخاف من الفقر لنجا منهما جميعًا، ولو رغب في الجنة كما يرغب في الدنيا لفاز بهما جميعًا، ولو خاف الله في الباطن كما يخاف خلقه في الظاهر لسعد في الدارين جميعًا

أبو عقال وأبو هارون

كان أبو عقال علوان بن الحسن من أبناء الملوك، وكان ذا نعمة وملك، فزهد في الدنيا، وتاب إلى ربه ورجع عن ذلك رجوعًا فارق معه نظراءه؛ فرفض المال والأهل، وهاجر البناء والوطن، وبلغ من العبادة مبلغًا أربى فيه على المجتهدين، ثم انقطع إلى بعض السواحل فصحب رجلًا يكنى أبا هارون الأندلسي منقطعًا مبتهلًا إلى الله تعالى، فرأى منه كبير اجتهاد في العمل، فبينما أبو عقال يسهد ليلة وأبو هارون نائم؛ إذ غالبه النوم، فقال لنفسه: يا نفس، هذا عابد جليل القدر ينام الليل كله فلو أرحت نفسي! فاستلقى قليلًا؛ فرأى في منامه شخصًا، فقرأ عليه (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) (الجاثية: 21 ) إلى آخر الآية، فاستيقظ فزعًا، وعلم أنه المراد، فأيقظ أبا هارون، وقال له: سألتك بالله؛ هل أتيتَ كبيرةً قط؟ قال: لا يا ابن أخي ولا صغيرة عن تعمد! فقال أبو عقال: لهذا تنام أنت، ولا يصلح لمثلي إلا الكر والاجتهاد. ثم انقطع إلى العبادة ومات وهو ساجد في صلاته.

صباح أبي العتاهية

قيل لأبى العتاهية: كيف أصبحت؟ قال: على غير ما يحب الله، وعلى غير ما أحب، وعلى غير ما يحب إبليس! فقيل له في ذلك، فقال: لأن الله يحب أن أطيعه وأنا لست كذلك، وأنا أحب أن يكون لي ثروة ولست كذلك، وإبليس يحب مني المعصية ولست كذلك.

حمق ومال

قال الأصمعي: قلت لغلام حدث من أولاد العرب كان يحادثني فأمتعني بفصاحة وملاحة: أيسرُّك أن يكون لك مائة ألف درهم وأنت أحمق؟! قال: لا والله. فقلت: ولِمَ؟ قال: أخاف أن يجني علي حمقي جناية تذهب بمالي ويبقى عليَّ حمقي.

عبد االله بن جعفر

خرج عبد الله بن جعفر — وكان كريمًا — إلى ضيعة له، فنزل على نخيل قوم وفيها غلام يقوم عليها، فأتى ومعه ثلاثة أقراص، ودخل كلب ودنا من الغلام، فرمى إليه بقرص فأكله، ثم رمى إليه بالثاني والثالث فأكلهما، وعبد الله ينظر، فقال: يا غلام، كم قوتك كل يوم؟ قال: ما رأيت. قال: فلم آثرت هذا الكلب؟! قال: ما هي بأرض كلاب، وإنه جاء من مسافة بعيدة خائفًا فكرهت ردَّه. قال: فما أنت صانع اليوم؟ قال: أطوي يومي هذا، قال عبد الله بن جعفر: ألُامُ على السخاء وهذا أسخى مني!فاشترى الغلام وأعتقه بعد أن أتحفه بمال جزيل.

عضد الدولة ومستودع العقد والعطار

قال ابن الجوزي: بلغني أن رجلًا قدم إلى بغداد للحج، وكان معه عقد من الحب يساوي ألف دينار، فاجتهد في بيعه، فلم يتفق له، فجاء إلى عطار موصوف بالخير فأودعه إياه، ثم حج وعاد فأتاه بهدية، فقال له العطار: من أنت؟ وما هذا؟ فقال: أنا صاحب العقد الذي أودعتك إياه. فما كلمه حتى رفسه رفسة رماه عن دكانه، وقال: تدعي عليَّ مثل هذه الدعوى؟! فاجتمع الناس للحاجِّ وقالوا: ويلك! هذا الرجل خير ما لحقت من تدعي عليه مثل هذه الدعوى! فتحير الحاجُّ، فما زادوه إلا شتمًا وضربًا، فقيل له: لو ذهبت إلى عضد الدولة فله في هذه الأشياء فراسة. فكتب قصته ورفعها لعضد الدولة، فصاح به فجاء، فسأله عن حاله، فأخبره بالقصة، فقال: اذهب إلى  العطار بكرة واقعد؛ فإن منعك فاقعد على دكة تقابله من بكرة إلى المغرب ولا تكلمه، وافعل هكذا ثلاثة أيام، فإني أمر عليك في اليوم الرابع وأقف وأسلم عليك فلا تقم لي، ولا ترد عليَّ السلام، وجواب ما أسألك عنه، فإذا انصرفت فأعد عليه ذكر العقد، ثم أعلمني ما يقول لك، فإن أعطاكه فجئ به إليَّ.

قال: فجاء إلى دكان العطار ليجلس فمنعه، فجلس بمقابلته ثلاثة أيام، فلما كان في اليوم الرابع اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم، فلما رأى الخراساني وقف وقال: سلام عليكم. فقال الخراساني ولم يتحرك: وعليكم السلام. فقال: يا أخي، تقدم فإنك لا تأتي إلينا ولا تعرض حوائجك علينا! فقال كما اتفق ولم يتبعه الكلام، وعضد الدولة يسأله وقد وقف ووقف العسكر كله، والعطار قد أغمي عليه من الخوف، فلما انصرف التفت العطار إلى الحاج، فقال: ويحك متى أودعتني هذا العقد؟ وفي أي شيء كان ملفوفًا؟ فذكرني لعلِّي أذكره! فقال: من صفته كذا وكذا، فقام ومشى ثم هز جرةً عنده فوقع العقد، فقال: كنت نسيت ولم تذكرني الحال ما ذكرت! فأخذ العقد ثم قال: وأي فائدة لي في أن أعلم عضد الدولة؟ ثم قال في نفسه لعله يشتريه، فذهب إليه فأعلمه، فبعث به مع الحاجب إلى دكان العطار، فعلق العقد في عنق العطار، وصلبه بباب الدكان، ونودي عليه: هذا جزاء من استودع فجحد. فلما ذهب النهار أخذ الحاجب العقد فسلمه إلى الحاجّ، وقال: اذهب.

أبو حنيفة والأعرابي

قال يحيى بن جعفر: سمعت أبا حنيفة يقول: احتجت إلى ماء بالبادية، فجاءني أعرابي ومعه قربة من أهله، فأبى أن يبيعها إلا بخمسة دراهم، فدفعت إليه خمسة دراهم، وقبضت القربة، ثم قلت: يا أعرابي ما رأيك في السويق؟ فقال: هاتِ. فأعطيته سويقًا ملتوتًا بالزيت، فجعل يأكل حتى امتلأ، ثم عطش، فطلب شربة، فقلت: بخمسة دراهم. فلم أنقصه من خمسة دراهم على قدر من ماء، فاسترددت الخمسة، وبقي معي الماء.

القاضي ومستودع الكيس والرجل

قال يزيد بن هارون: تقلد القضاء بواسط رجل ثقة، كثير الحديث؛ فجاء رجل فاستودعه، وبعض الشهود كيسًا مختومًا، ذكر أن فيه ألف دينار، فلما حصل الكيس عند الشاهد وطالت غيبة الرجل قدر أنه قد هلك، فهم بإنفاق المال وفتق الكيس من أسفله وأخذ الدنانير، وجعل مكانها دراهم، وأعاد الخياطة كما كانت، وقُدر أن الرجل وافى وطلب الشاهد بوديعته، فأعطاه الكيس بختمه، فلما حصل في منزله فض ختمه؛ فصادف في الكيس دراهم، فرجع إلى الشاهد، فقال له: عافاك لله، اردد علي مالي؛ فإني استودعتك دنانير، والذي وجدت دراهم مكانها! فأنكر ذلك واستعدى عليه القاضي المتقدم ذكره، فأمر بإحضار الشاهد مع خصمه، فلما حضرا سأل الحاكم: منذ كم أودعته هذا الكيس؟ قال: منذ خمس عشرة سنة. فأخذ القاضي الدراهم، وقرأ سككها، فإذا هي دراهم منها ما قدضرب منذ سنتين أو ثلاث ونحوها، فأمره أن يدفع الدنانير إليه؛ فدفعها إليه، وأسقطه، وقال له: يا خائن، ونادى مناديه: ألا إن فلان ابن فلان القاضي قد أسقط فلان ابن فلان الشاهد فاعلموا ذلك، ولا يغتر به أحد بعد اليوم، فباع الشاهد أملاكه بواسط، وخرج عنها هربًا، فلم يعلم له خبر.

ابن أبي زيد وأبو جعفر الموسوي

قال أبو جعفر الموسوي: دخلت على أبي نصر بن أبي زيد وعنده شخص ثقيل  فتأذى بطول جلوسه وكثرة كلامه، فلما نهض قال لي أبو نصر: ابن عمك هذا خفيف على القلب! فقلت: نعم. فقال: ما أظنك فهمت. فعلمت أنه أراد خفيفًا مقلوبًا وهو الثقيل.

ابن طولون والحمَّال


رأى ابن طولون يومًا حمالًا يحمل صندوقًا وهو يضطرب تحته، فقال: لو كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول لفاضت عنق الحمال، وأنا أرى عنقه بارزة وما هذا إلَّا من خوف ما يحمل. فأمر بحط الصندوق؛ فوجد فيه جارية قد قتلت، فقال: اصدقني
بحقيقة حالها؟ فقال: أربعة أشخاص في دار كذا أعطوني هذه الدنانير وأمروني بحمل هذه المقتولة، فضرب الحمال مائتي عصا، وأمر بقتل الأربعة.

الرازي والرجل

قال رجل ليحيى بن معاذ الرازي: إنك تحب الدنيا. فقال يحيى للرجل: أخبرني عن الآخرة؛ بالطاعة تنال أم بالمعصية؟ قال: لا، بل بالطاعة. قال: فأخبرني عن الطاعة؛ بالحياة تنال أم بالممات؟ قال: لا، بالحياة. قال: فأخبرني عن الحياة؛ أبالقوت تنال
أم بغير القوت؟ قال: لا، بل بالقوت. قال: فأخبرني عن القوت؛ أمن الدنيا هو أم من الآخرة؟ قال: لا، بل من الدنيا. قال: كيف لا أحب الدنيا قدر لي فيها قوت أكتسب به حياة أدرك بها طاعة أنال بها الآخرة؟ !فقال الرجل: إن من البيان لسحرًا!

نباهة والٍ


أحضر عند بعض الولاة رجلان اتهما بسرقة، فأقامها بين يديه ثم دعا بشربة ماء، فجيء بكوز، فقال لهما: ضعا يديكما عليه. فمد أحدهما فارتاع، وثبت الآخر، فقال لمن خاف: اذهب إلى حال سبيلك، وقال للآخر: أنت الذي أخذت المال. وتهدده، فأقر، وسئل
عن ذلك؛ فقال: إن اللص قوي القلب، والبريء يُخدع، ولو تحرك عصفور لفزع منه.

الشعبي والأعربيان والعلم

 قال الشعبى: العلم ثلاثة أشبار، من نال منه شبرًا شمخ بأنفه وظن أنه ناله، ومن نال الشبر الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه لم ينله، وأما من نال الشبر الثالث فهيهات لا يناله أحد أبدًا، ومما أنذرك به في حالي أني صنعت في البيوع كتابًا، جمعت فيه ما استطعت من كتب الناس، وأجهدت فيه نفسي، وكددت فيه خاطري، حتى إذا تهذب واستكمل، وكدت أعجب به، وتصورت أنني أشد الناس اضطلاعًا بعلمه، حضرني وأنا في مجلس أعرابيان، فسألاني عن بيع عقداه في البادية على شروط تضمنت أربع مسائل لم أعرف لواحدة منها جوابًا، فأطرقت وبحالي وحالها معتبرًا، فقالا: ما عندك فيما سألناك جواب وأنت زعيم هذه الجماعة؟! فقلت: لا. فقالا: واهًا لك! وانصرفا، ثم أتيا من يتقدمه في العلم كثير من أصحابي، فسألاه فأجابهما مسرعًا بما أقنعهما، وانصرفا
عنه راضيين بجوابه حامدين العلم، فبقيت مرتبكًا وبأمري معتبرًا، وإني لعلى ما كنت عليه من المسائل إلى وقتي هذا، فكان ذلك زاجرَ نصيحةٍ ونذيرَ عظةٍ، تذلل بها قياد النفس، وانخفض لها جناح العجب توفيقًا منحته ورشدًا أوتيته.

الأحنف والرجل

 سمع الأحنف بن قيس رجلًا يقول: العلم في الصغر كالنقش في الحجر. فقال الأحنف: الكبير أكثر عقلًا، ولكنه أشغل قلبًا

كافور وأبو إسحاق والفضل بن عباس

جلس أبو إسحاق عند كافور الإخشيدي، فدخل عليه أبو الفضل بن عباس فقال: أدام لله أيام ِ مولانا (وكسر ميم أيام) فتبسم كافور إلى أبي إسحاق، ففطن لذلك وقال بديهًا:

لا غرو أن لحن الداعي لسيدنا ... وغص من دهش بالريق أو بهرِ
فمثل سيدنا حالت مهابته ... بين الأديب وبين الفتح بالحصرِ
وإن يكن خفض الأيام عن غلط... في موضع النصب لا عن قلة البصر
فإن أيامه خفض بلا نصب ... وإن دولته صفو بلا كدرِ


فاستحسن قوله وأحسن إليهم.

الحجاج وقتيبة والأسير

أمر الحجاج بقوم ممن خرج عليهم، فأمر بهم فضربت أعناقهم، وأقيمت صلاة المغرب وقد بقي من القوم واحد، فقال لقتيبة بن مسلم: انصرف به معك حتى تغدو به عليَّ.
قال قتيبة: فخرجت والرجل معي، فلما كنا ببعض الطريق قال لي: هل لك في خير؟ قلت: وما ذاك؟! قال إني والله ما خرجت على المسلمين ولا استحللت دماءهم، ولكن ابتليت بما ترى، وعندي ودائع وأموال، فهل لك أن تخلي سبيلي وتأذن حتى آتي أهلي
وأرد على كل ذي حق حقه، وأوصي، ولك عليَّ أن أرجع حتى أضع يدي في يدك؟! قال قتيبة: فعجبت له، وتضاحكت لقوله، فمضينا هنية ثم أعاد عليَّ القول، وقال: إني أعاهد الله لك على أن أعود إليك. قال قتيبة: فوالله ما ملكت نفسي حتى قلت له: اذهب. فلما توارى عني شخصه أسقط في يدي، فقلت: ماذا صنعت بنفسي؟! وأتيت أهلي مهمومًا مغمومًا، فسألوني عن شأني فأخبرتهم، فقالوا: لقد اجترأت على الحجاج، فبتنا بأطولِ
ليلةٍ، فلما كان عند أذان الغداة إذا بالباب يطرق، فخرجت فإذا أنا بالرجل، فقلت: أرجعت؟! قال: سبحان الله! جعلت لك عهد الله عليَّ فأخونك ولا أرجع؟! فقلت: أما والله إن استطعت لأنفعنك، وانطلقت به حتى أجلسته على باب الحجاج، ودخلت، فلما رآني، قال: يا قتيبة أين أسيرك؟ قلت: أصلح الله الأمير، بالباب، وقد اتفق لي معه قصة عجيبة، قال: ما هي؟ فحدثته الحديث، فأذن له فدخل، ثم قال: يا قتيبة، أتحب أن أهبه لك؟ قلت: نعم. قال: هو لك، فانصرف به معك. فلما خرجت به، قلت له: خذ أي طريق شئت، فرفع طرفه إلى السماء، وقال: لك الحمد يا رب. وما كلمني بكلمة ولا قال
لي: أحسنت، ولا أسأت! فقلت في نفسي: مجنون والله! فلما كان بعد ثلاثة أيام جاءني، وقال لي: جزاك الله خيرًا، أما والله ما ذهب عني ما صنعت، ولكن كرهت أن أشرك مع حَمْدِ الله حَمْدَ أحدٍ.

الحجاج وأحد بني تميم

لما ظفر الحجاج بمحمد بن عبد الرحمن بن الأشعث — وكان قد خرج عليه، وخلع عبد الملك بن مروان — فأمر بضرب أعناق الجند الذين ظفر بهم حتى أتى على رجل من بني تميم، فقال: ولله أيها الأمير لئن أسأنا في الأدب لما أحسنت في العقوبة. فقال
الحجاج: أفٍّ لهذه الجِيَفِ! أما كان فيهم من يحسن مثل هذا؟! وأمر بإطلاق من بقي، وعفا عنهم.

إحسان محمد بن حميد الطويسي إلى عدوه

حكي عن محمد بن حميد الطويسي أنه كان يومًا على غذائه وإذا بضجة عظيمة على الباب، فرفع رأسه، وقال لغلمانه: ما هذه الضجة؟! من كان عند الباب فليدخل؟ فخرج الغلام وعاد، وقال: يا مولاي، إن فلانًا أخذ وجيء به موثقًا بالحديد، والغلمان والشرط
ينتظرون أمرك فيه. فرفع يده عن الطعام سرورًا بأخذه، فقال رجل ممن حضر عنده: الحمد لله الذي أمكنك من عدوك، فسبب لك أن تسقي الأرض من دمه! وقال آخر: بل يصلب حيٍّا ويعذب حتى يموت! وتكلم كل أحد بما وفق له، وهو ساكت مطرق، ثم
رفع رأسه، وقال: يا غلام، فك عنه وثاقه، وادخله إلينا مكرمًا! فلم يكن بأسرعَ مما امتثل أمره وأدخل إليه رجلًا لا دم فيه، فلما رآه هش له، ورفع مجلسه، وأمر بتجديد الطعام، وجعل يبسطه ويملقه، حتى انتهى الطعام، ثم أمر له بكسوة حسنة، وصلة جميلة، وأمر برده إلى أهله مكرمًا، ولم يعاتبه بحرف واحد على جفائه، ثم التفت إلى جلسائه، وقال لهم: إن أفضل الأصحاب من حضَّ الصاحب على المكارم، ونهاه عن ارتكاب المآثم، وحسن له أن يجازي الإحسان بضعفه، والإساءه عمن أساء إليه بصفحه، إنا إذا جازينا من أساء إلينا بمثل ما أساء فأين موضع الشكر عما أتيح من الظفر؟! إنه ينبغى لمن يحضر مجالس الملوك أن يمسك إلا عن قول سديد وأمر رشيد؛ فإن ذلك أدوم للنعمة، وأجمع للألفة، إن لله تعالى يقول:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا للهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ (الأحزاب: ٧٠)

ابن حمران وأبو الفضل الجوهري

لما هجم ابن حمران على مصر في أيام المستنصر بالله وأحرق داره بالزيت وتخطف عسكره، اجتمع الناس إلى أبي الفضل الجوهري الواعظ، فشكوا حالهم إليه؛ فكتب إلى المستنصر:« إن كنت خالقًا فارحم خلقك، وإن كنت مخلوقًا فخف خالقك والسلام »  فرفع ذلك عنهم.

الحجاج وآكل الحلوى

حضر أعرابي عند الحجاج فقدَّم الطعام فأكل الناس منه، ثم قدمت الحلوى، فترك الحجاج الأعرابي حتى أكل منها لقمة، ثم قال: من أكل من الحلوى ضربت عنقه، فامتنع الناس من أكلها، وبقي الأعرابي ينظر إلى الحجاج مرةً وإلى الحلوى مرة، ثم قال: أيها الأمير، أوصيك بأولادي خيرًا! ثم اندفع يأكل، فضحك الحجاج حتى استلقى على قفاه، وأمر لهُ بصلة.

الحجاج والأعرابي

انفرد الحجاج يومًا عن عسكره فلقي أعرابيٍّا، فقال له: يا وجه العرب، كيف الحجاج؟ فقال: ظالم غاشم. قال: هلَّا شكوت إلى عبد الملك بن مروان؟! قال: أظلم وأغشم عليهما لعنة الله! فبينما هو كذلك إذ تلاحقت به عساكره، فعلم الأعرابي أنه الحجاج، فقال
الأعرابي: أيها الأمير السر الذي بيني وبينك لا يطلع عليه أحد إلا الله. فتبسم الحجاج وأحسن إليه وانصرف

عبد الله بن جعفر والرجل

بينما عبد لله بن جعفر راكب؛ إذ تعرض له رجل في الطريق، فمسك بعنان فرسه، وقال: سألتك بالله أيها الأمير أن تضرب عنقي! فبهت فيه عبد لله، وقال: أمعتوه؟! قال: لا والله. قال: فما الخبر؟ قال: لي خصم ألدُّ قد لزمني وألحَّ وضيق عليَّ وليس لي
به طاقة. فقال: ومن خصمك؟! قال: الفقر! فالتفت عبد الله إلى غلامه، وقال: ادفع له ألف دينار. ثم قال له: يا أخا العرب خذها ونحن سائرون، ولكن إذا عاد إليك خصمك متغشمًا فأتنا متظلمًا فإنا منصفوك منه إن شاء الله. قال الأعرابي: والله إن معي من
جودك ما أدحض به حجة خصمي بقية عمري. ثم أخذ المال وانصرف.

الفضل بن مروان وابن فراس الشاعر

كان الفضل بن مروان وزير المعتصم ظالمًا غاشمًا متبجحًا بالظلم متجبرًا متكبرًا، وكان المعتصم يقول: الفضل بن مروان أسخط لله وأرضاني؛ فسلطني لله عليه. دخل عليه الهيثم بن فراس الشاعر متظلمًا من بعض عماله، فصرف وجهه عنه، ولوى عطفه؛
فخرج من عنده وهو ينشد:

تَجَبَّرْتَ يا فضل بن مروان فانتظر ... فقبلك كان الفضل والفضل والفضلُ
ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادهم التغيير والموت والقتل
فإن تك قد أصبحتَ في الناس ظالماً ... ستودي كما أُوْدِيَ الثلاثة من قبل


فلما سمع الفضل أبياته قال: ما الذي عنى بقوله؟ فقيل: إنهُ أراد الفضل بن يحيى، والفضل بن سهل، والفضل بن الربيع. فتغير وجهه، ولم يلبث إلا أيامًا يسيرة حتى قبض عليه.