وفد الحارث بن كلدة - طبيب العرب- على كسرى أنوشروان، فأمر له بالدخول، فانتصب بين يديه، فقال له كسرى: من أنت؟ قال: أنا الحارث بن كلدة. قال: أأعرابي؟ قال: نعم من صحيحها. قال: فما صناعتك؟ قال: طبيب. قال: وما تصنع العرب بالطبيب
مع جهلها وضعف عقولها وقلة قبولها وسوء عزائمها؟! فقال: ذلك أجدر - أيها الملك - إذا كانت بهذه الصفة أن تحتاج إلى ما يصلح جهلها، ويقيم عوجها، ويسوس أبدانها، ويعدل إسنادها. قال الملك: كيف لها بأن تعرف ما تعهده عليها لو عرفت الحق لم تثبت
إلى الجهل؟ قال الحارث: أيها الملك، إن الله قسَّم العقول بين العباد كما قسم الأرزاق، وأخذ القوم نصيبهم، ففيهم ما في الناس من جاهل وعالم وعاجز وحازم. قال الملك: فما الذي تجد في أخلاقهم وتحفظ من أمزاجهم؟ قال الحارث: أنفس سخية، وقلوب جرية، وعقول صحيحة مرضية، وأحساب نقية؛ فيمرق الكلام من أفواههم مروقَ السهم من الوتر، أسرع من سفن الماء، وأعذب من الهواء، ويطعمون الطعام، ويضربون الهام، وعزهم لا يُرَام، وضيفهم لا يُضام، ولا يروع إذا نام، لا يقرن بفضلهم أحد من الأقوام، ما خلا الملك الهمام؛ الذي لا يقاس به أحد من الأنام. فاستوى كسرى جالسًا، ثم التفت إلى من حوله، فقال: أطوى قومه، فلولا أن تداركه عقله لزم قومه، غير أني أراه ذا عمى! ثم أذن له بالجلوس، فقال: كيف نظرك بالطب؟ قال: ناهيك. قال: فما أصل الطب؟ قال: ضبط الشفتين، والرفق باليدين. قال: أصبت الدواء، فما الداء؟ قال: إدخال الطعام على الطعام هو الذي أفنى البرية، وقتل السباع في البرية. قال: أصبتَ، فما الجمرة التي تلتهب منها الأدواء؟ قال: هي التخمة؛ إن بقيت في الجوف قتلت، وإن تحللت أسقمت. قال: فما تقول في إخراج الدم؟ قال: في نقصان الهلال، في يوم صحو لا غيم فيه، والنفس طيبة، والسرور حاضر. قال: فما تقول في الحمام؟ قال: لا تدخل الحمام شبعان، ولا تنم بالليل عريان، وارفق بجسمك يكن أرجحه لنسلك. قال: فما تقول في شرب الدواء؟ قال: اجتنب الدواء ما لزمتك الصحة، فإذا أحسست بحركة الداء فاحسمه بما يردعه؛ فإن البدن بمنزلة الأرض؛ إن أصلحتها عمرت، وإن أفسدتها خربت.
مع جهلها وضعف عقولها وقلة قبولها وسوء عزائمها؟! فقال: ذلك أجدر - أيها الملك - إذا كانت بهذه الصفة أن تحتاج إلى ما يصلح جهلها، ويقيم عوجها، ويسوس أبدانها، ويعدل إسنادها. قال الملك: كيف لها بأن تعرف ما تعهده عليها لو عرفت الحق لم تثبت
إلى الجهل؟ قال الحارث: أيها الملك، إن الله قسَّم العقول بين العباد كما قسم الأرزاق، وأخذ القوم نصيبهم، ففيهم ما في الناس من جاهل وعالم وعاجز وحازم. قال الملك: فما الذي تجد في أخلاقهم وتحفظ من أمزاجهم؟ قال الحارث: أنفس سخية، وقلوب جرية، وعقول صحيحة مرضية، وأحساب نقية؛ فيمرق الكلام من أفواههم مروقَ السهم من الوتر، أسرع من سفن الماء، وأعذب من الهواء، ويطعمون الطعام، ويضربون الهام، وعزهم لا يُرَام، وضيفهم لا يُضام، ولا يروع إذا نام، لا يقرن بفضلهم أحد من الأقوام، ما خلا الملك الهمام؛ الذي لا يقاس به أحد من الأنام. فاستوى كسرى جالسًا، ثم التفت إلى من حوله، فقال: أطوى قومه، فلولا أن تداركه عقله لزم قومه، غير أني أراه ذا عمى! ثم أذن له بالجلوس، فقال: كيف نظرك بالطب؟ قال: ناهيك. قال: فما أصل الطب؟ قال: ضبط الشفتين، والرفق باليدين. قال: أصبت الدواء، فما الداء؟ قال: إدخال الطعام على الطعام هو الذي أفنى البرية، وقتل السباع في البرية. قال: أصبتَ، فما الجمرة التي تلتهب منها الأدواء؟ قال: هي التخمة؛ إن بقيت في الجوف قتلت، وإن تحللت أسقمت. قال: فما تقول في إخراج الدم؟ قال: في نقصان الهلال، في يوم صحو لا غيم فيه، والنفس طيبة، والسرور حاضر. قال: فما تقول في الحمام؟ قال: لا تدخل الحمام شبعان، ولا تنم بالليل عريان، وارفق بجسمك يكن أرجحه لنسلك. قال: فما تقول في شرب الدواء؟ قال: اجتنب الدواء ما لزمتك الصحة، فإذا أحسست بحركة الداء فاحسمه بما يردعه؛ فإن البدن بمنزلة الأرض؛ إن أصلحتها عمرت، وإن أفسدتها خربت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق